تعيش معظم الجماعات المحلية بالمغرب على صفيح ساخن، نتيجة الصراعات التي تخوضها مكونات المكاتب المسيرة لهذه المجالس المنتخبة حول التفويضات التي يمنحها رئيس الجماعة لنوابه. هذا الاقتتال الذي تعرفه الجماعات المحلية، خاصة المدن الكبرى
هذا الاقتتال الذي تعيشه الجماعات المحلية ناتج أيضا عن المستجدات التي جاء بها قانون 17.08 المغير والمتمم بموجبه القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، حيث تنص المادة 55 على أنه يجوز لرئيس المجلس الجماعي أن يفوض بقرار معلل بعض مهامه إلى نوابه، شريطة أن ينحصر التفويض في قطاع محدد لكل نائب باستثناء التفويض المتعلق بالتسيير الإداري.
غموض في التفويض
التعديل الذي أحدثه المشرع المغربي على طريقة منح التفويضات أحدث نوعا من الالتباس بالنسبة لعدد كبير من رؤساء الجماعات، رغم الاستقبال الذي خصصه وزير الداخلية للرؤساء المنتخبين والمذكرة الوزارة الصادرة في هذا المجال. فالإشكال والغموض مازال قائما، إذ أن التفويض لا يمنح إلا في قطاع محدد، وظل الإشكال المطروح: هل يمكن لرئيس الجماعة أن يسحب هذه التفويضات؟ وهل يمكنه أن يظل يمارس الاختصاص نفسه والقطاع الذي فوض فيه لمساعده؟ وهل يمكن لنائب الرئيس أن يحوز على التفويض في أكثر من قطاع؟
هذا الالتباس دفع العديد من رؤساء الجماعات إلى مراسلة وزارة الداخلية عشرات المرات بهدف الاستشارة في هذا الموضوع، وهو الأمر الذي كشفه ذ.سليكة (جامعي وإطار بوزارة الداخلية) في إحدى الندوات التكوينية الخاصة بالمنتخبين والموظفين المنظمة مؤخرا بمدينة تطوان.
ارتباك الرؤساء
هذا الإشكال الذي طرح على طاولة رؤساء الجماعات بالمغرب نتيجة المستجدات التي جاءت بها المقتضيات القانونية، جعل العديد من هؤلاء الرؤساء المنتخبين في وضعية ارتباك. فمنهم من تسرع في منح التفويضات لنوابه، لكنه تراجع عنها في ما بعد.. ومنهم من أصدر بعض القرارات في هذا المجال، لكن سلطة الوصاية رفضتها باعتبارها مخالفة للقانون.. ومنهم من أعلن صراحة عدم نيته في منح التفويض في قطاع التعمير والصفقات، كمحمد إيدعمار رئيس الجماعة الحضرية لتطوان.. أو هناك من لم يفوض لأي أحد، وهو ما حدث بالنسبة لجماعة المضيق، واعتبرها فرصة للانفراد بكل الصلاحيات والاختصاصات التي يمنحها له الميثاق الجماعي، وبالتالي ظل نوابه مجردين من أي مهام غير قادرين على التوقيع على أي وثيقة تهم التسيير الجماعي.
التفويض يهدد الأغلبية
ولكن مخلفات إشكالية التفويضات أثرت على عدد من المجالس المنتخبة. فإذا كانت قد مرت حوالي أربعة أشهر على الانتخابات الجماعية ليوم 12 يونيو الماضي، فإن ترتيب البيت الداخلي للرؤساء المنتخبين مازال قائما. فمنهم من واجه عدة صعوبات في جمع النصاب القانوني لعقد أولى الدورات بهدف استكمال هيكلة المجلس وانتخاب اللجان الدائمة، كما حدث لعمدة مدينة طنجة عبد المولى الذي وجد نفسه وحيدا في قاعة الجلسات رفقة سبعة أعضاء من المجلس، حيث طالب نوابه بمنح التفويضات أولا، خاصة وأن حزبه (الأصالة والمعاصرة) لا يتوفر على الأغلبية، وبالتالي فهو مطالب بإقناع حلفائهم بالدعم والمساندة من أجل الحفاظ على الأغلبية المريحة.
دخول بعض الولاة والعمال على الخط في ما يخص المصادقة أو رفض القرارات المعنية بهذا الموضوع، جعل العديد من الرؤساء المنتخبين في صراع مستمر مع نوابهم الذين بدأوا يهددون بنسف التحالف المشكل للأغلبية، خاصة وأن دورة أوكتوبر العادية على الأبواب ورفض الميزانية قد تكون واردة، وبالتالي تشتت الأغلبية المشكلة إبان انتخاب الرئيس ونوابه.
لكن في حالة استمرار الصراع بين الرئيس ونوابه وتشتت الأغلبية ورفض الميزانية وكل المشاريع المبرمجة مثلا، فإن مصالح المواطنين والمدينة ستتضرر بشكل كبير، نتيجة هذه الصراعات التي تعيشها معظم الجماعات المحلية بالمغرب.
في هذا الإطار يؤكد الأستاذ الجامعي سليكة، وهو من الأطر التي ساهمت في صياغة التعديلات التي أدخلت على الميثاق الجماعي، أن المشرع حينما اشترط انتخاب الرئيس في الدور الأول بالأغلبية المطلقة، فإن الغاية من ذلك هي أن تكون هناك أغلبية مريحة تمكن من الاستقرار في المجلس بدلا من التحالفات الهشة التي قد تؤثر على التسيير الجماعي في أي لحظة.
السيناريوهات الممكنة
لكن إذا كانت إقالة الرئيس غير ممكنة في الميثاق الجماعي الجديد، حسب ما كان معمولا فيه في ظهير 1976، فإنه في حالة ما إذا فقد أي رئيس الأغلبية داخل المجلس وتم رفض كل النقط المدرجة في جدول الأعمال، بما في ذلك الحساب الإداري، ووقع إخلال في السير العادي للجماعة، فإن المادة 25 من الميثاق الجماعي الجديد تنص على أنه إذا كانت مصالح الجماعة مهددة لأسباب تمس بحسن سير المجلس الجماعي، جاز حل المجلس بمرسوم معلل ينشره وزير الداخلية في الجريدة الرسمية، وفي حالة الاستعجال يمكن توقيف المجلس بقرار معلل يصدره وزير الداخلية وينشر بالجريدة الرسمية ولا يتجاوز مدة التوقيف ثلاثة أشهر.
وفي هذا السيناريو، وهو حل أو توقيف المجلس الجماعي، تتدخل وزارة الداخلية، ويتم تعيين لجنة خاصة للقيام بمهام المجلس، وتنتهي مهامها بحكم القانون بمجرد تأليف المجلس الجماعي من جديد. ووزير الداخلية هو الذي يعين اللجنة الخاصة بالنسبة للجماعات الحضرية، والوالي أو العامل هو الذي يشكل اللجنة الخاصة للتسيير بالنسبة للجماعات القروية داخل أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما التي تلي حصول حالات الحل أو التوقيف.
وبالإضافة إلى الكاتب العام للجماعة الذي يعتبر عضوا بحكم القانون، يحدد أعضاء اللجنة الخاصة في خمسة بالنسبة للمجلس الجماعي الذي يقل عدد أعضائه عن 23 عضوا، وسبعة أعضاء بالنسبة للجماعة التي يقل عدد أعضائها أكثر من 23 مستشارا.
وتترأس السلطة الإدارية المختصة بحكم القانون اللجنة الخاصة، وتزاول الاختصاصات المخولة لرئيس المجلس الجماعي بموجب هذا القانون، ويمكن للسلطة الإدارية المحلية أن تفوض بقرار بعض اختصاصاتها إلى أعضاء اللجنة الخاصة.
وتنحصر صلاحيات هذه اللجنة الخاصة في الأعمال الإدارية المستعجلة، ولا يمكن أن تلزم الأموال الجماعية فيما يتجاوز الموارد المتوفرة في السنة المالية الجارية.
غير أنه كلما وقع حل المجلس الجماعي أو انقطع عن مزاولة مهامه على إثر استقالة جماعية أو لأي سبب آخر، أجري انتخاب أعضاء المجلس الجديد في ظرف 90 يوما، ابتداء من تاريخ الانقطاع عن المهام، ماعدا إذا صادف ذلك الثلاثة الأشهر السابقة لتاريخ التجديد العام للمجالس الجماعية.