عبدالقادر الحسيني
1325 - 1368 هـ = 1907 – 1948 م
كان مما حفظه من قوله تعالى : ﴿ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة ، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ﴾ [النساء : الآية 74 ] صدق الله العظيم.و لم يكن عبدالقادرفي طفولته و شبابه إلا فرعا ثابتا من شجرة أصيلة قدمت للجهاد خيرة شبابها ، و نذرت نفسها للجهد و الجهاد ، فكان خير خلف لخير سلف ، و خلف من بعده خلف ساروا على نهجه .درس علوم الدين طفلا ، و أرسله أبوه إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة . و يوم تخرج منها وقف أمام الحشد الكبير من حضور حفل التخرج ، فمزق شهادته و هو يقول : 'ليس شرفا لي أن أحمل شهادة جامعة القوم الذين يباركون الصهيونية و يحمونها ، ولا تسعدني فرحة الحصول على شهادة جامعة هي وكر للاستعمار و قاعدة للتبشير ' ، وغادر الشاب الحفل عائدا إلى ميدان الجهاد .كانت فلسطين في ثورة مستمرة ، وخرج موسى بن كاظم الحسيني ، قائد حركة الجهاد في مظاهرة سنة 1933 م لمقاومة المشاريع البريطانية اليهودية ، فأصيب بضربة تركت به جرحا لم يحتمله جسد الشيخ الذي بلغ الثالثة و الثمانين من عمره ، فمضى إلى ربه راضيا مرضيا ، و ترك لابنه إرث الجهاد . يومها كان عبدالقادر قد بلغ السابع و العشرين من عمره ، يضج شبابا و حكمة ، فأخذ على عاتقه قيادة ( قوات الجهاد المقدس ) التابعة ( للهيئة العربية العليا في فلسطين ) .أمضى عبدالقادر و هو يغمل في الظلام ، خوفا على نشاطه من رقابة الاستعماريين البريطانيين ، و أعوانهم المهاجرين اليهود ، حتى إذا ما عرف أن اللحظة المناسبة قد أزفت ، أمر رجاله بالخروج إلى الجبال .أخذ عبدالقادر على عاتقه إطلاق شرارة الثورة ، فقاد أول هجوم في ليل 6 – 7 أيار – مايو – 1936 ضد الثكنة البريطانية في بيت سوريك شمالي غربي القدس ، والتهبت أرض فلسطين بنار الثورة .جعل عبدالقادر من بير زيت قاعدة لعملياته ، وقاد منها الهجمات الظافرة على بيتر و قالونية و عين كارم و ساريس و أبوديس و قطنه و صوبه و العيسوية – في قضاء القدس - .و انتشرت أنباء الثورة ، كما تنتشر النار في الهشيم ، فأسرع المجاهدون في سبيل الله من كل أنحاء الوطن العربي – الإسلامي ، يحملون السلاح ، و يحاربون أعداء الله ، أعداء الإنسان .و شعر الإنجليز بخطر تعاظم الثورة ، فلجؤوا كعادتهم للخداع ينالون به ما يعجزون عن تحقيقه في الحرب ، فقد لجأت سلطة الانتداب إلى (اللجنة العربية العليا لفلسطين ) و قدمت إليها وعودا مقبولة .كان جيش الجهاد المقدس بقيادة عبدالقادر قد أنزل بالبريطانيين و اليهود ضربات موجعة في القدس و رام الله و بيت لحم و الخليل و نابلس و يافا و طولكرم و جنين و بيسان و الناصرة و طبرية ، في كل مكان من فلسطين ، مما أذهل القيادة البريطانية .و كان عبدالقادر قد خاض معارك مشرفة أهمها معركة الخضر في بيت لحم 4 تشرين الأول – اكتوبر – 1936 و التي استشهد فيها المجاهد السوري القائد سعيد العاص و التي أصيب فيها عبدالقادر بجراح مكنت الإنجليز من اعتقاله و حمله الى مستشفى القدس لعلاجه .كانت السلطة البريطانية تعتزم محاكمة عبدالقادر بعد شفائه غير أن إخوانه المجاهدين تمكنوا من اختطافه و حمله إلى دمشق للعلاج . و هناك وافق جيش الجهاد المقدس على الهدنة التي طلبها الإنجليز .ما إن تماثل الأمير الحسيني للشفاء حتى رجع بصورة سرية إلى ميدان جهاده ، و اجتمع بإخوانه القادة في (بير زيت ) و تقرر استئناف الجهاد بعد أن تبين كذب الإنجليز و خداعهم ، و اندلعت نار الثورة من جديد .قاد عبدالقادر معاركه الظافرة ، التي كان من أبرزها معركة بني نعيم في الخليل في تموز – يوليو – 1938 ، حيث استمر القتال طوال أربعين ساعة متواصلة بقوة ألف مجاهد ضد ثلاثة آلاف بريطاني ، و زجت بريطانيا بتعزيزات جديدة أرغمت المجاهدين على الانسحاب .أصيب عبدالقادر في هذه المعركة أيضا بجراح بالغة ، فحمله إخوانه الى مستشفى في الخليل بعد أن عزلوا المستشفى عن كل اتصال خارجي ، و أرغموا الطبيب البريطاني على اسعافه ، ثم حملوه إلى دمشق .في عام 1939 غادر عبدالقادر دمشق إلى بغداد للاشتراك في ثورة رشيد عالي الكيلاني ، لقد كان الجهاد ضد الإستعمار البريطاني هو هدفه في كل مكان ، شأنه شأن كل المجاهدين في سبيل الله خلال تلك الحقبة ، إذ كان كل موطن من مواطن بلاد العرب المسلمين هو ميدان جهادهم .لما فشلت الثورة ، حاول عبدالقادر اللجوء إلى إيران ، غير أن السلطات الإيرانية رفضت استقباله و رفاقه فعاد إلى بغداد ، و اعتقله البريطانيون سنة 1941 حيث قضى زهاء أربع سنوات .انتقل عبدالقادر إلى المملكة العربية السعودية ، ثم إلى مصر سنة 1947 و أخذ ينظم القوات و يجمع الأسلحة ، ثم دخل فلسطين و عاود قيادة جيش الجهاد المقدس ، فوجه للبريطانيين ضربات قاصمة في معارك القدس و بيت سوريك و بيت محير و قلندية و برك سليمان و صوريف و رام الله و باب الواد ، وكان عبدالقادر يشعر بعدم تكافؤ ميزان ميزان القوى و الوسائط في كل معاركه .و كانت المملكة العربية السعودية قد تبرعت بنصف مليون جنيه ، تم جمعها خلال أيام قليلة للمجاهدين .و قررت المملكة العربية السعودية أيضا مد المجاهدين بكميات من السلاح و الذخائر .و تمكن أحد المسلمين في لبنان من جمع التبرعات و اشترى من بلجيكا 785 بندقية و 175 رشاشا .و كان من المفروض أن تصل هذه إلى اللجنة العربية العليا ( الحاج أمين الحسيني ) و إلى قائد جيش الجهاد المقدس (عبدالقادر الحسيني ) و لكن شيئا لم يحدث ، فقد كانت لجنة الجامعة العربية في دمشق – اللجنة العسكرية – قد أخذت على عاتقها حرمان المجاهدين من السلاح ، حتى أنها أوفدت أحد أعضائها – محسن البرازي – إلى الرياض ، لتحويل المساعدات إلى اللجنة العسكرية وليس إلى فلسطين .و شعر عبدالقادر بخطورة الموقف فتوجه إلى دمشق ، و قابل أعضاء اللجنة العسكرية ، و لما فشل في إقناعهم بدعم قواته ، قال غاضبا : ' أنتم خونة ، أنتم مجرمون ، سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين ، سأحتل القسطل ، و سأموت أنا و جميع إخواني المجاهدين ' .و خرج عبدالقادر ، فقال لرفاقه : ' هيا نرجع إلى فلسطين حتى نموت فيها الميتة التي و ضعناها نصب أعيننا ، هيا نستشهد أو ننتصر على الأعداء ' . و توجه فورا إلى القسطل ، و قاد معركتها .و استشهد عبدالقادر عند أول منزل من منازل القسطل . وحفظ التاريخ للرجل موقفه
. 1325 - 1368 هـ = 1907 – 1948 م
كان مما حفظه من قوله تعالى : ﴿ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة ، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ﴾ [النساء : الآية 74 ] صدق الله العظيم.و لم يكن عبدالقادرفي طفولته و شبابه إلا فرعا ثابتا من شجرة أصيلة قدمت للجهاد خيرة شبابها ، و نذرت نفسها للجهد و الجهاد ، فكان خير خلف لخير سلف ، و خلف من بعده خلف ساروا على نهجه .درس علوم الدين طفلا ، و أرسله أبوه إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة . و يوم تخرج منها وقف أمام الحشد الكبير من حضور حفل التخرج ، فمزق شهادته و هو يقول : 'ليس شرفا لي أن أحمل شهادة جامعة القوم الذين يباركون الصهيونية و يحمونها ، ولا تسعدني فرحة الحصول على شهادة جامعة هي وكر للاستعمار و قاعدة للتبشير ' ، وغادر الشاب الحفل عائدا إلى ميدان الجهاد .كانت فلسطين في ثورة مستمرة ، وخرج موسى بن كاظم الحسيني ، قائد حركة الجهاد في مظاهرة سنة 1933 م لمقاومة المشاريع البريطانية اليهودية ، فأصيب بضربة تركت به جرحا لم يحتمله جسد الشيخ الذي بلغ الثالثة و الثمانين من عمره ، فمضى إلى ربه راضيا مرضيا ، و ترك لابنه إرث الجهاد . يومها كان عبدالقادر قد بلغ السابع و العشرين من عمره ، يضج شبابا و حكمة ، فأخذ على عاتقه قيادة ( قوات الجهاد المقدس ) التابعة ( للهيئة العربية العليا في فلسطين ) .أمضى عبدالقادر و هو يغمل في الظلام ، خوفا على نشاطه من رقابة الاستعماريين البريطانيين ، و أعوانهم المهاجرين اليهود ، حتى إذا ما عرف أن اللحظة المناسبة قد أزفت ، أمر رجاله بالخروج إلى الجبال .أخذ عبدالقادر على عاتقه إطلاق شرارة الثورة ، فقاد أول هجوم في ليل 6 – 7 أيار – مايو – 1936 ضد الثكنة البريطانية في بيت سوريك شمالي غربي القدس ، والتهبت أرض فلسطين بنار الثورة .جعل عبدالقادر من بير زيت قاعدة لعملياته ، وقاد منها الهجمات الظافرة على بيتر و قالونية و عين كارم و ساريس و أبوديس و قطنه و صوبه و العيسوية – في قضاء القدس - .و انتشرت أنباء الثورة ، كما تنتشر النار في الهشيم ، فأسرع المجاهدون في سبيل الله من كل أنحاء الوطن العربي – الإسلامي ، يحملون السلاح ، و يحاربون أعداء الله ، أعداء الإنسان .و شعر الإنجليز بخطر تعاظم الثورة ، فلجؤوا كعادتهم للخداع ينالون به ما يعجزون عن تحقيقه في الحرب ، فقد لجأت سلطة الانتداب إلى (اللجنة العربية العليا لفلسطين ) و قدمت إليها وعودا مقبولة .كان جيش الجهاد المقدس بقيادة عبدالقادر قد أنزل بالبريطانيين و اليهود ضربات موجعة في القدس و رام الله و بيت لحم و الخليل و نابلس و يافا و طولكرم و جنين و بيسان و الناصرة و طبرية ، في كل مكان من فلسطين ، مما أذهل القيادة البريطانية .و كان عبدالقادر قد خاض معارك مشرفة أهمها معركة الخضر في بيت لحم 4 تشرين الأول – اكتوبر – 1936 و التي استشهد فيها المجاهد السوري القائد سعيد العاص و التي أصيب فيها عبدالقادر بجراح مكنت الإنجليز من اعتقاله و حمله الى مستشفى القدس لعلاجه .كانت السلطة البريطانية تعتزم محاكمة عبدالقادر بعد شفائه غير أن إخوانه المجاهدين تمكنوا من اختطافه و حمله إلى دمشق للعلاج . و هناك وافق جيش الجهاد المقدس على الهدنة التي طلبها الإنجليز .ما إن تماثل الأمير الحسيني للشفاء حتى رجع بصورة سرية إلى ميدان جهاده ، و اجتمع بإخوانه القادة في (بير زيت ) و تقرر استئناف الجهاد بعد أن تبين كذب الإنجليز و خداعهم ، و اندلعت نار الثورة من جديد .قاد عبدالقادر معاركه الظافرة ، التي كان من أبرزها معركة بني نعيم في الخليل في تموز – يوليو – 1938 ، حيث استمر القتال طوال أربعين ساعة متواصلة بقوة ألف مجاهد ضد ثلاثة آلاف بريطاني ، و زجت بريطانيا بتعزيزات جديدة أرغمت المجاهدين على الانسحاب .أصيب عبدالقادر في هذه المعركة أيضا بجراح بالغة ، فحمله إخوانه الى مستشفى في الخليل بعد أن عزلوا المستشفى عن كل اتصال خارجي ، و أرغموا الطبيب البريطاني على اسعافه ، ثم حملوه إلى دمشق .في عام 1939 غادر عبدالقادر دمشق إلى بغداد للاشتراك في ثورة رشيد عالي الكيلاني ، لقد كان الجهاد ضد الإستعمار البريطاني هو هدفه في كل مكان ، شأنه شأن كل المجاهدين في سبيل الله خلال تلك الحقبة ، إذ كان كل موطن من مواطن بلاد العرب المسلمين هو ميدان جهادهم .لما فشلت الثورة ، حاول عبدالقادر اللجوء إلى إيران ، غير أن السلطات الإيرانية رفضت استقباله و رفاقه فعاد إلى بغداد ، و اعتقله البريطانيون سنة 1941 حيث قضى زهاء أربع سنوات .انتقل عبدالقادر إلى المملكة العربية السعودية ، ثم إلى مصر سنة 1947 و أخذ ينظم القوات و يجمع الأسلحة ، ثم دخل فلسطين و عاود قيادة جيش الجهاد المقدس ، فوجه للبريطانيين ضربات قاصمة في معارك القدس و بيت سوريك و بيت محير و قلندية و برك سليمان و صوريف و رام الله و باب الواد ، وكان عبدالقادر يشعر بعدم تكافؤ ميزان ميزان القوى و الوسائط في كل معاركه .و كانت المملكة العربية السعودية قد تبرعت بنصف مليون جنيه ، تم جمعها خلال أيام قليلة للمجاهدين .و قررت المملكة العربية السعودية أيضا مد المجاهدين بكميات من السلاح و الذخائر .و تمكن أحد المسلمين في لبنان من جمع التبرعات و اشترى من بلجيكا 785 بندقية و 175 رشاشا .و كان من المفروض أن تصل هذه إلى اللجنة العربية العليا ( الحاج أمين الحسيني ) و إلى قائد جيش الجهاد المقدس (عبدالقادر الحسيني ) و لكن شيئا لم يحدث ، فقد كانت لجنة الجامعة العربية في دمشق – اللجنة العسكرية – قد أخذت على عاتقها حرمان المجاهدين من السلاح ، حتى أنها أوفدت أحد أعضائها – محسن البرازي – إلى الرياض ، لتحويل المساعدات إلى اللجنة العسكرية وليس إلى فلسطين .و شعر عبدالقادر بخطورة الموقف فتوجه إلى دمشق ، و قابل أعضاء اللجنة العسكرية ، و لما فشل في إقناعهم بدعم قواته ، قال غاضبا : ' أنتم خونة ، أنتم مجرمون ، سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين ، سأحتل القسطل ، و سأموت أنا و جميع إخواني المجاهدين ' .و خرج عبدالقادر ، فقال لرفاقه : ' هيا نرجع إلى فلسطين حتى نموت فيها الميتة التي و ضعناها نصب أعيننا ، هيا نستشهد أو ننتصر على الأعداء ' . و توجه فورا إلى القسطل ، و قاد معركتها .و استشهد عبدالقادر عند أول منزل من منازل القسطل . وحفظ التاريخ للرجل موقفه